ملاحظة : هذا الموضوع يعكس راي الدكتور ، ولا يعكس راي الشخصي .
السفر عبر الزمن وقصة اصحاب الكهف
المقال لدكتور محمد سعيد محمد الحفيان
القرآن والسفر عبر الزمن السفر عبر الزمن سواء السفر عبر الزمن إلى الماضي أو إلى المستقبل من المواضيع المثيرة لخيال العلماء . كيف نسافر إلى المستقبل ؟ هل بإمكانك السفر إلى المستقبل كأن ترى حال الأرض بعد ألف عام من الآن ؟ وهل يمكنك العودة إلى زمنك لتخبر أصدقائك بما سيجرى في المستقبل ؟ أم انه لا يمكنك العودة وتكتفي بالعيش مع ذاك الجيل الذي سيجيء بعد ألف عام ؟ ومن ثم تحدثهم بما كان عليه جيلك الحقيقي ؟ إنه لأمر مثير حقاً ولكن هل بالإمكان إحالة هذا الخيال إلى واقع ؟ كله أو جزء منه ؟ وهل يمكن أن تسمح قوانين الفيزياء بذلك ؟ . السفر إلى المستقبل : كيف تسافر عبر الزمن وأنت في الأرض: يرى العلماء انه وحسب القوانين الفيزيائية المنظورة إنه يمكن للإنسان أن يسافر عبر الزمن إلى المستقبل وهو مقيم في الأرض . وفى هذا يقول ستيفن هوكنغ : (من الممكن السفر إلى المستقبل بمعني أن النسبية تبين أنه من المحتمل إنشاء آلة للزمن تقفز بك إلى الأمام في الزمن فأنت تدخل آلة الزمن وتمكث بها فترة ثم تخرج وتتركها لتكتشف أن الزمن الذي انقضى على الأرض أكبر كثيراً من ذلك الذي أمضيته داخل آلة الزمن ولا نملك اليوم تكنولوجيا تستطيع إنجاز ذلك)( ) . صحيح انه لا توجد الآن تكنولوجيا تحقق ذلك . ولكن العلماء شرحوا كيفية تحقق السفر نظريا ومن بين أولئك العلماء الفيزيائي الأمريكي ريتشارد قوت مؤلف كتاب: Time Travel In Einstein Universe والذي معناه السفر عبر الزمن في كون اينشتاين . وقد تحدث فيه عن السفر عبر الزمن إلى الماضي والى المستقبل وكيفية تحقيق ذلك نظريا . عن كيفية تحقيق البشر للسفر عبر الزمن إلى المستقبل وهم على الأرض ذكر ريتشارد جوت ، أن من يريد ذلك فما عليه إلا أن يقوم بتفكيك كوكب في حجم كوكب المشترى مثلا ثم يرص مادته ويعصرها عصرا شديدا حوله حتى يصل حجم المشتري إلى كرة أو قوقعة لا يتعدى نصف قطرها خمس أمتار ، وبهذه الكيفية ستصبح هذه الكرة أو القوقعة عالية الكثافة ويقول ريتشارد جوت ان المسافر إذا مكث خمسين عاما داخل هذه القوقعة عالية الكثافة ثم خرج منها ، فسيجد انه قد مرت مائتي عام على من هم خارجها!(2) وغنيٌ عن القول أن المكان إذا كان ذو كتلة وكثافة عالية فسيخلق حوله قوة جذب عالية أيضا، ولكن على المسافر أن يضبط حد كتلة القوقعة على المستوى الذي يريد بحيث لا يتعدى الحد الحرج الذي تتحول فيه قوقعته إلى ثقب اسود وبالتالي يتحطم جسده بفعل شدة ضغط المكان و الجاذبية عليه. وكلما كانت كتلة القوقعة عالية كلما أبطأ زمن المسافر وفى المقابل أسرع زمن من هم خارج قوقعته ، فالأمور كلها بيده وتحت سيطرته. و لهذا الشرح النظري أصل في النظرية النسبية والتي توضح قوانينها أن الزمن يبطئ حول الأجسام عالية الكثافة والكتلة ، فقد أثبتت التجار صحة نبوءة انحناء الزمن وتباطؤه عندها وفى هذا يقول ستيفن هوكنغTo some one high up, it would appear that everything down below was taking longer to happen .This prediction was tested in 1962,using a pair of very accurate clock mounted at the top and bottom of a water tower .The clock at the bottom which was near the earth ,was found to run slower ,in exact agreement with general relativity) وحديثه بمعنى : (أن الشخص الذي يكون في مكان عال فان الأحداث أسفله تبدو له تسير ببطء ، وهذه النبوءة اختبرت في العام 1962 عندما تم استخدام ساعتين على دقة عالية من الضبط ، إحداهما وضعت في قمة برج عال والأخرى في أسفله ، فوجد أن الساعة الموضوعة أسفل البرج يبطئ زمنها مقارنة بالأخرى ، في توافق تام بما جاء في النسبية العامة ) . وسبب الإبطاء يعود لقرب الساعة السفلى من مركز جاذبية الأرض. فكلما اقترب جرم ما من مركز ثقل جرم آخر شديد الكثافة كلما إبطا الزمن عند الأول. وكما يبطئ الزمن بسبب الأجسام عالية الكثافة والكتلة ، فان الكثافة العالية لهذه الأجسام تجعل منها أجسام شديدة الجاذبية بحيث أنها تجذب نحوها الأجسام الأخرى بما في ذلك الضوء والذي هو أسرع شئ في الكون بحسب قوانين النسبية العامة . وقد اثبت العلماء صحة فرضية انحناء الضوء عند مروره بالأجسام الثقيلة في العام 1919 حين ذهب فريق بريطاني إلى إفريقيا الغربية برئاسة الفيزيائي البريطاني السير أدنغتون كي يترصد هذه الظاهرة في كسوف تام للشمس شوهد آنئذ تاما من هناك وأثبتت المشاهدة أن الضوء ينحرف بالفعل بسبب جاذبية الشمس تماما كما تنبأت النظرية النسبية.والخلاصة ان العلماء يرون ان الإنسان إذا ما تمكن من خلق هذا الواقع الفيزيائي الذي شرحناه فبإمكانه السفر عبر الزمن إلى المستقبل . دليل السفر عبر الزمن إلى المستقبل من القرآن الكريم: قصة أصحاب الكهف: خير دليل من القرآن على السفر عبر الزمن إلى المستقبل قصة أصحاب الكهف ! هذه الآية الإلهية العظيمة والتي ما فتئ العلماء يستنبطون منها العبر والمعاني الواحدة تلو الأخرى وفيها المزيد . واليوم وفي عصر العلم الحديث نكشف سر من أدق أسرار هذه القصة المليئة بالعبر . إن هذا القرآن دائما قدر التحدي ملائم لكل العصور بل ويسبقها أحيانا رغم مرور ألف وأربعمائة عام على نزوله. يقول الله تعالى في قصة أهل الكهف: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِه ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)ونحن هنا لا نريد أن نخوض في تفسير كل آيات القصة وهذا موضوع طويل، ولكننا نريد أن نثبت أن هؤلاء الفتية، وبعون الله، سافروا عبر الزمن إلى المستقبل! حيث قطعوا فترة زمنية مدتها ثلاثمائة وتسع سنين في زمن لم يتجاوز اثنتي عشر ساعة أو أقل! كيف تم ذلك؟ سنرى ذلك من خلال الآيات، وسنرى أيضاً كيف يبسط القرآن قوانين الفيزياء الحديثة!. نسبية الزمن وتباطؤه في القصة: وقبل أن نبدأ، أرجو أن تنتبه عزيزي القارئ إلى قوله عز وجل: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) فرغم أن الخطاب في هذه الآية موجه لشخص النبي (ص)، إلا أنه عموماً موجه لجميع الناس، وبعبارة أدق إلى من هم خارج الكهف. فاستحضار هذا المعنى دائماً حين التدبر في آيات قصة أصحاب الكهف يمكن من استيعاب مرام وأهداف القصة بسهولة. مدخلنا الأول لاستخلاص الدليل على السفر عبر الزمن إلى المستقبل، قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) هذه الآية توضح، دون لبس، الهدف الأساسي من وراء بعث هؤلاء الفتية فما هو؟ نترك الأمر للإمام القرطبي في تفسيره العظيم ليلخص لنا أقوال الجمهور في تفسير الآية يقول: (والحزبان الفريقان. والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية إذ ظنوا لبثهم قليلاً. والحزب الثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم، حين كان عندهم التاريخ لأمر الفتية. وهذا قول الجمهور من المفسرين.ثم قال: (أي أيّ الحزبين أحصى للبثهم في الأمد، والأمد الغاية. وقال مجاهد: «أمدا» معناه عددا.) ( ) هذا التفسير، غاية في الدقة، وغاية في الذكاء ويشرح بصورة واضحة وبينة أن الهدف من وراء بعث أصحاب الكهف من جديد، هو معرفة تقدير الحزبين لمدة البقاء داخل الكهف، وهذا يعنى أن لكل حزب تقدير يختلف عن تقدير الحزب الآخر! رحم الله الإمام القرطبي هذا الألمعي الفذ! ومن هم الحزبان؟ حسب تفسير القرطبي، وهو ما عليه الجمهور أيضاً، أن الحزب الأول هم أصحاب الكهف، أما الحزب الثاني فهم الناس خارج الكهف، ومن هم خارج الكهف كما يشمل أهل المدينة آنذاك، يشمل أيضاً كل الناس حتى يومنا هذا. فما هو تقدير كل منهما لمدة البقاء داخل الكهف؟ تقدير الحزب الأول: وهم أصحاب الكهف، فقد قالوا وبالإجماع: (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) بمعنى أن مدة لبثهم داخل الكهف بتقديرهم، هي يوم أو أقل من يوم! أي لم تزد عن اثنتي عشرة ساعة أو هي أقل من ذلك، وكانوا على قناعة تامة بهذا الأمر، ولم تكن هذه القضية مثار خلاف بينهم ولم تكن تشغل بالهم البتة. ويدل على ذلك قوله تعالى (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) والآية تعنى، دعونا من هذا الأمر، وكلوه إلى الله، فانصرفوا سريعاً عن هذه القضية إلى ما هو أهم من ذلك! وما يؤكد سرعة انصرافهم، فإن الجزء المكمل للآية ابتدأ بحرف العطف الفاء وذلك في قوله تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم). واستخدام حرف العطف الفاء يفيد الفورية في تجاوز الأمر، وسرعة الانتقال من حال إلى حال. والأمر المتجاوز هنا هو مدة اللبث في الكهف، تجاوزوه سريعا إلى ما هو أهم، وما هو أهم هو شعورهم بالجوع والحاجة إلى الطعام. كما هو في ختام الآية: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19وأمثلة استخدام حرف العطف الفاء للدلالة على الانتقال السريع من حال إلى حال له شواهد كثيرة في آيات القرآن كما في قوله تعالى: وقوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ۚ بَلَىٰ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (29) وقوله تعالى (فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ) دليل على سرعة دخولهم لها. وكما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) [الأحزاب: ٥٣] فالآية تدعو المؤمنين ضرورة مغادرة بيوت النبي فور الانتهاء من الطعام لأن الانتظار كان يؤذيه (ص) والأمثلة في الباب كثيرة تقدير الحزب الثاني: أما تقدير الحزب الثاني وهم الناس خارج الكهف، فإحصاؤهم لزمن أو مدة بقاء أصحاب الكهف داخل كهفهم يختلف اختلافاً كبيراً عن إحصاء أصحاب الكهف أنفسهم. فقد بين الله لنا مدة لبثهم بتقدير من هم خارج الكهف إذ بلغت ثلاث مائة وتسع سنوات!! وذلك في قوله تعالى: ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) وأرجو أن تنتبه جيداً عزيزي القارئ، فالخطاب في قوله تعالى (وَلَبِثُوا) وإن كان موجه للنبي محمد (ص) إلا أنه موجه للناس كافة، وبصورة أدق لكل من هو خارج الكهف بمعنى، إن الله عز وجل تحدث في هذه الآية عن مدة بقاء أصحاب الكهف بلسان من هم خارج الكهف. ويتفق هذا التوضيح مع الهدف من وراء بعثهم والذي سبق أن أوضحته الآية من قبل، وهو بيان اختلاف الحزبين في تقديرهم لمدة البقاء داخل الكهف. وبناء على هذا الشرح يصبح تقدير الآية كالآتي: يا أيها الناس إن هؤلاء الفتية لبثوا في هذا الكهف مدة وقدرها ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا. اثنتي عشرة ساعة أو أقل داخل الكهف تساوى ثلاثمائة وتسع سنوات خارجه! كيف يتم هذا عملياً! شخص ينام أقل من اثنتي عشرة ساعة ثم ينتفض ويقوم ليجد أن الأرض مر عليها ثلاثمائة وتسع من السنين! ما أبطأ زمن أصحاب الكهف مقارنة بزمن من هم خارجه! ولتعرف عزيزي القارئ كيف تم هذا الأمر فالآيات القادمة شرحت ذلك شرحاً علمياً بليغاً. قواعد السفر إلى المستقبل: وقبل الخوض في شرح ذلك ينبغي عزيزي القارئ أن تتذكر أن ما أوردناه من قبل عن خواص الأجسام ثقيلة الكتلة كالنجوم أو الثقوب السوداء. فالنجوم الحية ذوات الكتل العظيمة تجبر الضوء الذي يمر بجوارها أن ينحني بسبب عظم كتلتها ، كما أن الزمن يبطئ عندها ويتمدد.أما في حالة الثقوب السوداء والتي لها أضعاف كتل النجوم الحية، فإن الضوء بدلاً من أن ينحني عندها، فإنه ينقبض تماما ويختفي داخلها وليس بمقدوره الإفلات مرة أخرى، وبالتالي فإن الزمن هناك يتباطأ إلى مستويات مهولة حتى ليصل لدرجة الانعدام!. وقد أثبت العلماء بالتجارب ظاهرتي التباطؤ الزمني وانحناء الضوء أمام الأجسام ذوات الكتل العظيمة كما شرحنا من قبل. وعليه فانحناء الضوء، وتباطؤ الزمن، يدلان على عظيم كتلة الجسم. ثقل الفجوة يحني الضوء: وإذا كانت الآيات السابقة قد أثبتت بطء سير الزمن داخل الكهف مقارنة أو نسبة إلى زمن من هم خارجه،، فإن هذا بالقطع مؤشر لوجود جسم ذا كتلة عظيمة في القصة ومؤشر أيضًا لإثبات انحناء مسار الضوء إذا مرّ بهذا الجسم ونقول للقارئ إننا لن نألو جهداً كبيراً لإثباته فما عليك إلا أن تتدبر معنا قوله تعالى: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ [الكهف: ١٧]. في هذه الآية الدليل على وجود الجسم عظيم الكتلة والدليل على انحناء الضوء عند مروره بهذا الجسم! كيف؟ سنبين ذلك بالشرح. وقبل أن نشرح الآية علينا الذهاب للمعاجم كما عودنا القارئ لشرح مفردات الآية ودلالتها اللغوية، فاللغة العربية هي مفتاح مهم لاستيعاب مضمون آيات القرآن.نبدأ بقوله تعالى (تَّزَاوَرُ) فقد جاء في لسان العرب: (وزَوِرَ يَزْوَرُ إِذا مال. والزَّوْرَةُ البُعْدُ، وهو من الازْوِرارِ؛ قال الشاعر: وماءٍ وردتُ على زَوْرَةٍ وفي حديث أُم سلمة: أَرسلتُ إِلى عثمان، رضي الله عنه: يا بُنَيَّ ما لي أَرى رَعِيَّتَكَ عنك مُزْوَرِّينَ أَي معرضين منحرفين؛ يقال: ازْوَرَّ عنه وازْوَارَّ بمعنًى؛ ومنه شعر عمر: بالخيل عابسةً زُوراً مناكِبُها الزُّورُ: جمع أَزْوَرَ من الزَّوَرِ الميل.). وفى معجم مقاييس اللغة لابن فارس: (الزاي والواو والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المَيْل والعدول. من ذلك الزُّور: الكذب؛ لأنه مائلٌ عن طريقَةِ الحق. ويقال زوَّرَ فلانٌ الشَّيءَ تزويراً. حتَّى يقولون زوَّر الشيءَ في نفْسه: هيّأَهُ، لأنَّهُ يَعدِل به ِعن طريقةٍ تكون أقربَ إلى قَبولِ السامعِ. فأمَّا قولهم للصَّنم زُور فهو القياس الصحيح. قال:والزَّوَر: الميل. يقال ازورَّ عن كذا، أي مالَ عنه.ومن الباب: الزائر، لأنّه إذا زارَك فقد عدَلَ عن غيرك.) وعليه يصبح معنى تزاور عن كهفهم بمعنى تميل عنه.أما قوله تعالى: (تَّقْرِضُهُمْ) فقد جاء في لسان العرب: (والقَرْضُ والقِرْضُ: ما يَتَجازَى به الناسُ بينهم ويَتَقاضَوْنَه، وجمعه قرُوضٌ، وهو ما أَسْلَفَه من إِحسانٍ ومن إِساءة، وهو على التشبيه؛ قال أُمية بن أَبي الصلت: كلُّ امْرِئٍ سَوْفَ يُجْزَى قَرْضَه حَسَناً، أَو سَيِّئاً، أَو مَدِيناً مِثْلَ ما دانا وقال تعالى: وأَقْرِضُوا اللّه قَرْضاً حَسَناً. ويقال: أَقْرَضْتُ فلاناً وهو ما تُعْطِيهِ لِيَقْضِيَكَه. وكلُّ أَمْرٍ يَتَجازَى به الناسُ فيما بينهم، فهو من القُروضِ. الجوهري: والقَرْضُ ما يُعْطِيه من المالِ لِيُقْضاه، والقِرْضُ، بالكسر، لغة فيه؛ حكاها الكسائي.) . وجاء في معجم المقاييس: (القاف والراء والضاد أصلٌ صحيحٌ، وهو يدلُّ على القطع. يقال: قَرَضت الشيءَ بالمقراض. والقَرْض ما تُعطيه الإنسانَ من مالك لتُقْضَاه،وكأنَّه شيء قد قطعتَه من مالك. والقِراض في التِّجارة، هو من هذا، وكأنَّ صاحب المال قد قَطَع من ماله طائفةً وأعطاها مُقارِضَهُ ليتّجر فيها.) وعليه يصبح معنى تقرضهم أي تعطيهم جزءاً من شعاعها أما معنى الفجوة في قوله تعالى: (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ) ففي لسان العرب: (الفَجْوَةُ والفُرَجةُ: المُتَّسَع بين الشيئين، تقول منه: تَفاجَى الشيءُ صار له فَجْوَة. وفي حديث الحج: كان يَسيرُ العَنَقَ فإِذا وَجَد فَجْوَةً نَصَّ؛ الفَجْوَةُ: الموضع المتسع بين الشيئين. وفي حديث ابن مسعود: لا يُصَلِّينَّ أَحدكم وبينه وبين القِبلة فَجْوة أَي لا يَبْعُد من قبلته ولا سترته لئلاَّ يمر بين يديه أَحد.) ثم قال: (وفي التنزيل العزيز: وهم في فَجْوة منه؛ قال الأَخفش: في سَعة، وجمعه فَجَوات وفِجاء، وفسره ثعلب بأَنه ما انْخفضَ من الأَرض واتسع. وفَجْوةُ الدَّارِ: ساحتها؛ وأَنشد ابن بري: أَلْبَسْتَ قَوْمَكَ مخْزاةً ومَنْقَصةً، حتَّى أُبِيحُوا وحَلُّوا فَجْوَةَ الدَّارِ.أما في مقاييس اللغة: (الفاء والجيم والحرف المعتل يدلُّ على اتِّساعٍ في شيء. فالفَجْوة: المتَّسَع بين شَيئين. وقَوْسٌ فَجْواء: بانَ وترُها عن كَبدها. وفَجْوة الدَّار: ساحتُها.والفَجَا: تَباعُدُ ما بين عُرقوبَيِ البعير.وإذا هُمِزَ قلت: فَجِئَني الأمرُ يفجَؤُني.). فالفجوة إذن هي المكان المتسع. وقد يكون معناها الفتحة في المكان، لكنها في هذا النص القرآني تعني المعنى الأول ولا تعني المعنى الثاني كما توهم البعض!. وبالمعنى الأول يصبح معنى قوله تعالى (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ) أي وهم في مكان متسع من الكهف، بمعنى آخر فرغم أن داخل الكهف ضيق شديد، إلا أنه توجد فجوة ومتسع في داخله. وهذا مثل قولك: توجد غرفة واسعة داخل الشقة الضيقة. بعد هذا البيان اللغوي نأتي لتفسير الآية. قوله تعالى: (وَتَرَى الشَّمْسَ) فرغم أن الخطاب موجه إلى الرسول (ص) خصوصاً، فهو موجه أيضاً إلى المراقب للكهف من الخارج. ولكي نبسط شرح الآية كلها نقول، إذا أتينا بمراقب مثلاً، وأردناه أن يتخذ مكاناً بحيث إذا وقف عنده سيتحقق عملياً قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ) ففي أي مكان من الكهف سيقف هذا المراقب؟ قطعاً سيقف في مكان تكون فيه الشمس طالعة أمامه والكهف أمامه كذلك، أي أن يكون موقع الكهف بينه وبين الشمس وهي طالعة. ثم إذا سألنا هذا المراقب وقلنا له ماذا ترى؟ فحسب الآية سيقول: إني أرى جزءاً من شعاع الشمس يميل أو ينحرف عن الكهف ناحية اليمين (يمين المراقب أو يمين الكهف لا فرق، لأن وضع المراقب هو الذي يحدد يمين أو شمال الكهف. وبدون المراقب فانه لن يعرف للكهف يميناً أو شمالاً، فالاتجاهات الثابتة للكهف هي الاتجاهات الجغرافية الأربع المعروفة). عندها سنصيح بأعلى صوتنا يميل! كيف يميل الشعاع!؟ والعلم قال لنا إن الضوء يسير دائما في خط مستقيم! لا بد أن هناك أمراً ما التبس على هذا المراقب ويبدو أنه لا يحسن أداء دوره كمراقب، فلربما كان ضعيف النظر بحيث لم يتمكن من أداء المهمة. وأمرناه فورا بترك المكان والعودة. لكن وبإصرار المراقب على صحة ما رآه وقسمه بأنه على حق، جلسنا نتفاكر في الأمر، وأخيراً اتفقنا على تكرار التجربة مرة أخرى. ولكي نتأكد مائة بالمائة من صحة ملاحظات المراقب الأول، اتفقنا على استبداله بمراقب آخر، وتغيير مكان المراقبة بحيث يجب أن يقف المراقب الجديد في مكان يتحقق فيه عملياً قوله تعالى: (وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ). فأين سيقف المراقب الجديد هذه المرة؟ والإجابة دون تردد سيكون في وضع عكس ما كان عليه المراقب الأول، بمعنى أنه سيكون هذه المرة متجها ناحية الغروب وسيكون الكهف بينه وبين الشمس وهى غاربة. وذهب المراقب إلى مكانه الجديد وقلوبنا على أيدينا! ثم جاء السؤال..... ماذا ترى؟ فكانت الإجابة كالصاعقة:أرى شعاع الشمس يميل ناحية الشمال! ماذا! يؤكد مرة أخرى، يميل ناحية الشمال! وليست الدهشة في ميل شعاع الشمس فهذا ما أكده المراقب الأول، ولكن المثير حقاً أن يميل شعاع الشمس ناحية شمال المراقب! ماذا يعنى هذا؟ يعنى أن شعاع الشمس في كلا التجربتين مال وانحرف نحو اتجاه واحد!! ودليل ميلان أو إنحاء الشعاع عند الغروب هو قوله تعالى : ( ﭱ) فهذا التعبير الإلهي في غاية الدقة فقد أكد ميلان الشعاع وإنحائه، لأن القرض يعني الإعطاء والإعطاء يتطلب الميل والإنحناء، فلكي تعطي شخصاً شيئاً ما، لابد أن تنحي وتميل نحوه. وأوضح التعبير أيضاً جهة ميلان الشعاع بدقة فهو يميل ناحية أصحاب الكهف أنفسهم!! وأين يرقد أصحاب الكهف؟ ففي الفجوة كما قال تعالى (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْه) فإذا مال شعاع الشمس عند الغروب نحو الفجوة، فهذا يعنى ميلانه وإنحائه نحوها أيضاً عند الشروق!! لأننا أثبتنا بالتجربة أن الشعاع في كلا الحالين يميل نحو جهة واحدة. نستنتج من هذا أن الفجوة هي التي تجبر جزءاً من شعاع الشمس على الميل أو الانحناء نحوها شروقاً وغروباً! أى هي الجاذبة لشعاع الشمس وهذا سر الآية! لذلك قال الله عز وجل بعد هذا مباشرة (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّه). ولتفسير ظاهرة انحناء أو ميلان شعاع الشمس نحو الفجوة علمياً، فلا بد أن تكون الفجوة عظيمة الكتلة (ليس الحجم)، ولهذا السبب فإن جزءاً من شعاع الشمس حين مروره بجوار الفجوة يميل أو ينحني نحوها. وبالوصول لهذه النتيجة تكون قد تكاملت لدينا الأدلة من الآية على وجود الجسم عظيم الكتلة وهو الفجوة، ومثَّل انحناء الضوء عند مروره بجوارها مؤشرًا أخرًا لعظم كتلة الفجوة ولسبب عظم كتلة الفجوة تحقق السفر لأصحاب الكهف. فسافروا بقدرة الله عز وجل نحو المستقبل! حيث قطعوا زمناً وقدره ثلاثمائة وتسع سنوات في وقت وجيز لم يتعد اثنتي عشرة ساعة أو أقل! وهذا يعنى أن الساعة من الزمن عند أصحاب الكهف تعادل خمس وعشرين سنة وخمسة وسبعين يوماً عند من هم بالخارج. وكم يكون الباحث فرحا عندما تتطابق لديه حقائق العلم الحديث مع آيات القرآن.والله اعلم. وعلى هذا الشرح نقول مثلاً، إذا كنت متزوجا وأنجبت لك زوجك ابناً، وكان عمرك إذاك عشرين عاماً، ثم رمت بك الأقدار إلى داخل الفجوة وكانت ساعتك تشير إلى الثامنة صباحاً ومكثت داخل الفجوة زمن قدره ساعة واحدة ثم خرجت وعقارب ساعتك تشير إلى الساعة التاسعة صباحاً لا خلاف في مدة لبثك، فإذا ذهبت إلى منزلك فستجد أن ابنك والذي لما لم يمض علي ولادته ساعة واحدة بتوقيتك أنت، قد بلغ من العمر خمس وعشرون سنة وخمسة وسبعون يوما! وبذا أصبح يكبرك بخمس أعوام وسبعين يوماً! في حين أن عمرك أنت لم يزد غير ساعة واحدة! فمن سيكون ابن من؟! ومن سيكون والد من؟! ومن سيتحمل أعباء معيشة المنزل ما أجمل هذا!! وثقل المكان وإبطاء الزمن ليس موجوداً فقط في معنى الآية حين التدبر فيها، ولكن المدهش حقا فإن هذا الثنائي يلازمك وتحس به حين تقرأ الآية! وبالضبط عند الآية التي توضح انحراف شعاع الشمس عن الكهف ناحية الفجوة طلوعاً وغروباً!! فعندما تقرأ قوله تعالى: (طَلَعَت تَّزَاوَرُ) فلا بد أن تدغم تاء (طَلَعَت) في تاء (تَّزَاوَرُ) وهذا عند طلوع الشمس، وكذلك عند الغروب في قوله تعالى: (وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ) فلا بد أن تدغم تاء (غَرَبَت) في تاء (تَّقْرِضُهُمْ). والإدغام في كلا الحالتين يجبرك أن تبطئ في القراءة!! كما هو في قواعد التجويد. ويجبرك الإدغام أيضاً أن تكتم نفسك قليلاً مقدار حركتين وهذا يعنى كأنما هناك شيئا ثقيلا تحمله! فالآية عبرت عن إبطاء الزمن وعن ميل سير شعاع الشمس وثقل المكان معنى ومبنى!! وجوه جديدة لتفسير بقية آيات القصة: استناداً إلى التفسير الذي ذكرناه، والذي يقضي بنسبية الزمن لدى الفريقين فماذا يكون معنى قوله تعالى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18 ) بمعنى آخر ما الذي يثير رعب المطلع عليهم؟ ما الذي يخيفه حتى يولي منهم فراراً ويملأ منهم رعبا؟ لا شك أن الإجابة أتت بها الآية، وهي تتلخص في ثلاثة مشاهد: المشهد الأول قوله تعالى :(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ) والمشهد الثاني قوله تعالى: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) والمشهد الثالث قوله تعالى: (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيد). هذه المشاهد هي التي ستثير رعب المطلع عليهم، ولكي نعرف ما هو المثير للرعب، نحتاج إلى التدبر في الآية بناء على التفسير الجديد، والتدبر يبدأ بمعرفة الدلالات اللغوية لألفاظها، ومن ذلك قوله: (أَيْقَاظًا) وقوله: (رُقُود) فالرقاد كما جاء في المعاجم، يعني النوم، والنوم كما جاء في المعاجم، يعني السكون فقد جاء في مقاييس اللغة: (النون والواو والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على جُمودٍ وسكونِ حركة. منه النَّوم. نامَ ينام نَوْماً ومَناماً. وهو نَؤُومٌ ونُوَمَة: كثير النَّوم. ورجل نومةٌ:خاملٌ لا يُؤبَه له. ومنه استَنامَ لي فلانٌ، إذا اطمأنَّ إليه وسَكَنَ.). فإذا كان الرقاد بمعنى السكون فإن اليقظة تأتى عكس ذلك فهي بمعنى الحذر، فقد جاء في لسان العرب: (ورجل يَقِظ ويَقُظ: كلاهما على النسب أَي مُتَيَقِّظ حذِر،) وجاء في معجم الصحاح في اللغة: (رجلٌ يَقِظٌ ويَقُظٌ، أي متيقّظٌ حذرٌ. وأيْقَظْتُهُ من نومه، أي نبَّهته فَتَيَقَّظَ واسْتَيْقَظَ، فهو يَقْظانُ.). وأما الدلالة اللغوية لقوله تعالى: (وَنُقَلِّبُهُمْ)، فالتقليب كما جاء في لسان العرب: (وتَقَلَّبَ الشيءُ ظهراً لبَطْنٍ، كالـحَيَّةِ تَتَقَلَّبُ على الرَّمْضاءِ. وقَلَبْتُ الشيءَ فانْقَلَبَ أَي انْكَبَّ، وقَلَّبْتُه بيدي تَقْلِـيباً). إذن وبعد الاستعانة باللغة يصبح المعنى واضحاً جداً، فهؤلاء الفتية، وفي وقت واحد، حذرون، يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال وساكنون أيضاً! كيف يكون هذا؟! كيف يكون الشخص في آن واحد ساكناً وحذرا؟ والحذر يتطلب الانتباه واليقظة الأمر الوحيد الذي يجعلك تتصور هذا المشهد وتقبله، هو ما ذكرناه من قبل عن إبطاء الزمن داخل الفجوة، فلكي تمر دقيقة واحدة من زمن أصحاب الكهف، على المطلع عليهم أن ينتظر تقريباً مائة وأربعة وخمسين يوماً! وعلى هذا المعنى فإذا أراد أحد أصحاب الكهف أن ينقلب على جنبه اليمين، فلن يكلفه ذلك نصف دقيقة من الزمن تقريباً (زمن الفجوة)، أما المطلع عليهم أو المراقب لهم، فإذا أراد أن يراقب حركة الانقلاب هذه، والتي لا تستغرق سوى نصف دقيقة من الزمن، فعليه أن ينتظر تقريباً سبعة وسبعين يوماً لكي تكتمل الحركة! وهذا ما يسمى بالحركة البطيئة أو بالتعبير الإنجليزي Slow Motion وعلى هذا، فإذا اطلع عليهم شخص فجأة، فسيرى مجموعة من الأشكال البشرية تبدو كالمتجمدة على حركات معينة! سيرى أحدهم رافعاً يده لا ينزلها أبداً! والآخر رافعاً رجله لا ينزلها أيضاً، والثاني رافعاً وسطه وثابتاً عليه! متجمدون على حركات معينة وهم في نفس الوقت أحياء مفتحة عيونهم! أولا يثير هذا المنظر الرعب والخوف! بلى وما في ذلك شك. ولكن كيف يكون الحال إذا عكسنا المشهد؟ بمعنى لو تمكن أحد أصحاب الكهف من أن يطل من فجوته ليرى كيف تسير الأمور خارج الكهف، فماذا سيرى؟ قطعا سيرى الأشياء تمر كسرعة البرق! سيرى الشمس تشرق وتغيب بمعدل تسعة آلاف مرة تقريباً في الساعة الواحدة!! وسيرى المنازل تبنى وتفنى في دقائق! وسيرى الشخص، يولد، ويكبر، ويشيخ، ويموت في دقائق! سيكون مستقبل الأحداث كلها مكشوفا له! باختصار سيرى الأحداث كمن يشاهد فيلماً سينمائياً هو ضاغط على زر التسريع! Play Fast ولكن لا يمكن لأحد من أصحاب الكهف أن يفعل ذلك أبداً، لأنه سيدخل في علم غيب المستقبل ولا يعلم الغيب إلا الله. أما المشهد الأخير في قوله تعالى: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد). فالوصيد هنا بمعنى الفناء، أي أن كلبهم باسط ذراعيه بفناء الكهف، وهذا يدل على أنه لم يكن معهم داخل الفجوة! وحسب أقوال العلماء فإن أي جسم يقع بجوار الأجسام ثقيلة الكتلة، لا بد أن تؤثر عليه شدة جاذبيتها! فتشده نحوها، وكلما بلغت الكتلة مبلغاً عظيما كلما اشتدت قوة الجاذبية على الأجسام حتى تمطها مطا كما هو في حالة الثقوب السوداء. وعليه وبالرجوع للآية، فلربما كانت شدة جاذبية الفجوة، السبب وراء مد ذراعي كلب أصحاب الكهف! فالفعل بسط في قوله تعالى (باسط) بمعنى مد، فقد جاء في معجم مقاييس اللغة: (بسط: الباء والسين والطاء أصلٌ واحدٌ، وهو امتِدادُ الشَّيء، في عِرَض أو غير عِرَض). وربما كان أثر المد أو المط خفيفاً جداً على ذراعيه، فلم يلاحظ حينما اعثر الله عليهم. وخفة المد هذه مؤشر أيضاً لمستوى عظم كتلة الفجوة، بمعنى أنها لم ترق إلى مستوى التحول إلى ثقب أسود، إذ لو تحولت إلى ثقب اسود لابتلعت الشمس كلها بدلا من أن تكتفي بجذب جزء من شعاعها!.فإذا أضفنا هذا المشهد إلى المشهدين السابقين فسيكون الرعب أعظم. وإبطاء الزمن كما انطبق على أصحاب الكهف وهم داخل الفجوة ينطبق أيضاً على كل من يكون قريب جداً من الفجوة كما شرحنا من قبل عند الحديث عن الثقوب السوداء، فبالقرب منها ينطوي الزمن وفي داخلها يكون أشد انطواء وبطأ وفي هذا المعنى يقول ريتشارد قوت:Time would pass slowly for you if you simply hovered just out side a black holeوحديثه بمعنى أن الزمن سيمر ببطء إذا ما طوف أحدنا بالقرب من الثقب الأسود. وهذا يعني أن كلب أصحاب الكهف والذي كان يرقد بالوصيد (بفناء الكهف) أي خارج الفجوة ولكنه قريب منها جداً يبطئ زمنه كما أبطأ زمن أصحاب الكهف، ولكن بزمن يختلف قليلاً عن زمن أصحاب الكهف. أما قوله تعالى :( فضربنا على آذانهم)[الكهف: ١١]. والضرب على الآّذان فسره معظم المفسرين بالنوم. وقد جاء في تفسير الإمام القرطبي قال المفسرون: معناه أنمناهم وتقدير الكلام أنه تعالى ضرب على آذانهم حجاباً يمنع من أن تصل إلى أسماعهم الأصوات الموقظة والتقدير ضربنا عليهم حجاباً إلا أنه حذف المفعول الذي هو الحجاب كما يقال بنى على امرأته يريدون بني عليها القبة.) ( ) وجاء عن معنى الضرب في تفسير الشيخ طنطاوي: (وأصل الضرب في كلام العرب يرجع إلى معنى التقاء ظاهر جسم، بظاهر جسم آخر بشدة. يقال: ضرب فلان بيده الأرض إذا الصقها بها بشدة.). وإذا كان تأويل المفسرين للضرب على الآذان الوارد في الآية بمعنى النوم، فكيف يستقيم هذا مع قوله تعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُود) وهل الرقاد في الآية يعنى النوم؟ وكيف يكونون نياماً والآية وصفتهم باليقظة وبأنهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال؟ من الصعب جداً أن نقول إنهم كانوا نياماً فالنوم حالة شعورية معروفة للجميع، لكن عموما فإن حالتهم أقرب إلى الإنسان الذي لا يشعر بما يجرى حوله ولا يراه. وإذا كان معنى الضرب، التقاء ظاهر جسم، بظاهر جسم آخر بشدة، فعلى ضوء التفسير العلمي للقصة فإن تفسير قوله تعالى: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ) يعنى أن هناك صوتاً شديداً حدث وتسبب في نقلهم إلى الحالة التي كانوا عليها، والصوت يمكن أن يكون جراء انهيار وتراص جزيئات المادة والهواء التي كانت تحتويها الفجوة، حيث تحولت بعد الانهيار إلى جسم ثقيل الكتلة. وهذا بالضبط كما تنهار مادة النجم مكونا الثقوب السوداء مع الفرق في كل. والله أعلم بهذه القصة يكون القرآن قد سبق العلماء حين أثبت أن تحقيق السفر عبر الزمن إلى المستقبل يمكن أن يتم في كوكب الأرض وفي حيز صغير منه، إذ لا يتطلب الأمر أن يتحقق ذلك في الفضاء الخارجي أو أن نقوم بتحويل جرم في حجم كوكب المشترى، وهذا من الاستحالة بمكان، إلى قوقعة صغيرة كما ذكر ريتشارد قوت. ولكن إمكانية تحقيق السفر عبر الزمن إلى المستقبل عن طريق الإنسان كما حدث لأصحاب الكهف مستحيل، لأن الله عز وجل نسبه إلى نفسه حين قال: (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّه).
والله أعلم.
ملاحظة : هذا الموضوع يعكس راي الدكتور ، ولا يعكس راي الشخصي .
الدكتور محمد سعيد محمد الحفيان
خرافات ناسا fake nasa
#fNASA7
#خرافات_ناسا